اسلام يحيى |

رحلة التوظيف، نحو بناء طاقم يعزّز من النمو والتميز المؤسّسي

رحلة التوظيف، نحو بناء طاقم يعزّز من النمو والتميز المؤسّسي

انّ عملية التوظيف في المؤسّسات ليست مجرد إجراء لملء شواغر وظيفيّة، بل هي وسيلة لدمج القيم والرؤية المؤسّساتية عبر أداء الأفراد. من خلال عمليّات تخطيط واستقطاب وتصنيف فعّالة يمكن أن تحوّل المؤسّسة تحدّي التوظيف إلى أداة استراتيجية للنجاح والنمو لطاقم العمل والمهمّة المؤسّساتيّة. تحديدًا في مؤسّسات المجتمع المدني، حيث يشكّل التوظيف وسيلة لدمج كوادر شبابيّة لقيادة عمليّة التغيير المجتمعي وتطوير قيادات شبابيّة.

تشير الدراسات في هذا المجال "تأثير استراتيجيّات التوظيف الفعّالة على انتاجيّة المؤسّسة" إلى أنّ المؤسّسات التي تمتلك استراتيجيات توظيف فعّالة تزيد من إنتاجيّتها مقارنة بمنافسيها. وذلك بسبب قدرتها على بناء وإدارة عمليّات توظيف تجذب المورد البشري الثري بالمعرفة المطلوبة، وبإمكانيتها على إدارة عمليّات التصنيف في شتّى مراحلها بعناية وباتخاذ قرارات صائبة تتّسم بالتوافق بين المرّشحين من جهة والمسمّى الوظيفي من جهة اخرى، ولاحقًا بإدارة وتطوير المورد البشري داخل المؤسّسة.

وبهذا فقد اصبحت عمليّة التوظيف اليوم جزءًا أساسيًّا من استراتيجية المؤسّسات التي تسعى لتحقيق نجاحاتها بمنطلق رؤية شموليّة واستثمار طويل الأمد في تطوير الكادر البشري فيها.

يقدّم هذا المقال نموذج فكري وعملي للمسؤولين في المؤسّسات عن عمليّات التوظيف وإدارة المورد البشري فيها. 

منظور جديد: الانتقال من إجراءات توظيف إلى عملية متكاملة ومراحل تصنيف منظّمة

لقد اعتادت العديد من المؤسّسات على التعامل مع التوظيف من خلال تطبيق لأدوات تصنيف مركزيّة وشائعة، مثل نشر الإعلانات وجذب المرشّحين، إجراء مقابلات هاتفية أو شخصية، وفي بعض الحالات إرسال مهمّة للمرشحين، او دعوتهم إلى مركز تقييم إذا تطلّب الأمر، وفي النهاية ارسال رد بالقبول أو الرفض وبهذا تنتهي العمليّة. 

قد تبدو مهمّة التوظيف بهذا الشكل مهمّة عينيّة، وربّما لا تحتاج الكثير من الموارد لتحقيق الغاية منها، الّا انّ أسئلة عدّة حول إذا ما كانت المؤسّسة تأخذ القرار الصائب بالاعتماد على رؤية أكثر شموليّة للمرشّح، وملائمته للمنصب والمؤسّسة ككلّ، تبقى موجّهًا اساسيًّا، لا سيما في ظلّ التنافس على القوى البشريّة المتميّزة “Talents” الذي تشهده المؤسّسات في البلاد هذه الايّام.

لذا، اوصي هنا المؤسّسات بإدارة عملية توظيف شاملة ومنظّمة بدلاً من الاكتفاء بإجراءات توظيف منفصلة، يمكنها ضمان تحقيق توافق أفضل بين المرشح والوظيفة وتوفّر للمؤسّسة رؤية شاملة ومركّزة، تحسّن من جودة اتخاذ القرارات وتضمن الشفافية والإنصاف في العمليّة. كما أنّها تعزّز تجربة المرشّح، تقلّل من مخاطر التوظيف غير المناسب، وتوفّر الموارد القيمة، مما يسهم في كفاءة عمل المؤسّسة ونموّها على المدى البعيد.

 

نموذج التوظيف: خمس مراحل في تخطيط وإدارة عمليّات التوظيف في المؤسّسات

اقدّم هنا نموذج توظيف عملي، يتضمّن خمسة مراحل لتخطيط وإدارة عملية توظيف فعّالة. يوفّر النموذج إرشادات دقيقة لتحديد الحاجة، بناء خطّة التصنيف، النشر، تقييم المرشحين واتخاذ قرارات مدروسة.

خمس مراحل في تخطيط وإدارة عمليّات التوظيف

المرحلة الأولى – صياغة التعريفات

في البداية نقوم بصياغة التعريفات على المستوى المؤسّسة، طاقم العمل الذي نقوم بالتوظيف له والوظيفة المطلوبة، بحيث نحاول الإجابة من خلال الأسئلة التالية على الدافع والحاجة من عمليّة التوظيف:

  1. تعريف الحاجة: لماذا نريد شغل هذه الوظيفة، ما هو السبب وراء التوظيف وما هي الحاجة في المؤسّسة؟
  2. تعريف النتيجة او الهدف: التي سيتم تحقيقها بعد شغل الوظيفة. ما هو الإنجاز المؤسّسي؟
  3. تعريف الوظيفة: المطلوبة لملء هذه الحاجة وتحقيق الانجاز.
  4. تعريف الملف الشخصي (Profile) للمرشّح المطلوب: بالتماهي مع متطلّبات الوظيفة، ثقافة وبيئة العمل، الخبرة، القدرات ومزايا شخصية مطلوبة، بمحاولة للإجابة على ما هو الملف الشخصي للمرشح المناسب الذي سيشغل الوظيفة؟ والاخذ بعين الاعتبار الجوانب الضرورية في هذه المتطلّبات وأخرى اختياريّة تحدّدونها وفق حاجتكم ومرونة العمل. 
  5. تحديد الموارد: ما هي الموارد التنظيمية المطلوبة والمتوفّرة لتوظيف المرشح كنسبة الوظيفة والراتب.
  6. اختيار مسؤول وفريق التوظيف: مع التركيز على الشخص المسؤول عن التواصل مع المرشح والمدير الذي يقوم بالتوظيف كشريك وعميل في العملية.

المرحلة الثانية – بناء خطّة التصنيف والأدوات

بعد القيام بالتعريفات أعلاه وتحديدًا تعريف المهمّة والملف الشخصي (يمكن دمجها للنشر للمرشحين لاحقًا)، نقوم بتحديد مراحل وأدوات التصنيف التي ستساعدنا في التعرف على المرشّحين بشكل يتناسب مع الموارد ويوفر لنا المعلومات الكافية لاختيار المرشح الأنسب.

لنقوم بهذه المرحلة، اوصي ببناء خطة التصنيف وأدوات التقييم التالية، ومن ثمّ العمل على تطوير أدوات التقييم او ملائمة أدوات قائمة في المؤسّسة، كتعديل مبنى المقابلة الهاتفية الأولى، المقابلة الشخصيّة وكتابة المهمّة المطلوبة من المرشّح في حال تطلّب الامر. 

الى جانب بناء وتعديل الأدوات، نبدأ باختيار أفراد الطاقم للمشاركة في عمليّة التصنيف، كمدير القسم، زملاء في القسم واخرين في المؤسّسة ذات الصلة مستقبلًا بعمل المرشّح.

اوصي باستخدام الجدول التالي كأداة تخطيط وإدارة لعمليّة التصنيف بحيث نقوم من خلاله بالإجابة على:

  1. ما هي الجوانب (المعرفة / الخبرات / الخصائص / القدرات) التي نريد التعرف عليها في المرشح؟
  2. ما هي أداة التقييم التي سنستخدمها للتعرف على كل جانب؟  
  3. من سيلتقي بالمرشح من خلال كل أداة (اختيار فريق التقييم)؟

مثال على ذلك: 

بناء خطّة التصنيف والأدوات

(ملاحظة: ترتيب وعمق هذه المراحل يعتمدان على اختيارات كلّ مؤسّسة.)

المرحلة الثالثة – النشر

هنا نبدأ بالنشر عبر القنوات المختلفة مع التركيز والمتابعة مع القنوات والأشخاص ذوي الصلة الذين يمكن أن يشكلوا مصدرًا هامًّا للتواصل مع مرشحين محتملين في دوائرهم المتعدّدة. في هذه المرحلة نقوم:

  1. بتطوير محتوى النشر: الوصف الوظيفي ونصوص النشر.
  2. بإعداد قائمة قنوات النشر: صديق يجلب صديق، لينكدإن، مجموعات واتساب.
  3. بإعداد قائمة الأشخاص ذات الشبكات الاجتماعيّة المتعدّدة: للتواصل والنشر والمتابعة من خلالهم.

المرحلة الرابعة – التصنيف

في هذه المرحلة تحديدًا نبدأ بلقاء المرشّحين المحتملين من خلال أدوات التقييم المختلفة. نقوم بجمع وتوثيق معطيات التقييمات حول المرشّحين، إجراء مناقشات داخليّة واتخاذ قرارات بشأن المرشّحين للانتقال إلى المراحل المتقدمة. بينما سيتم رفض المرشحين الأقل ملاءمة أو توجيههم إلى وظائف أخرى في المؤسّسة. 

في كل مرحلة، نعتمد التعريفات من المرحلة الأولى كمرجعيّة لاتّخاذ القرارات المناسبة مع الاخذ بعين الاعتبار نتائج التقييم التي قد تضعنا امام تحدّيات في اختيار المرشّح الأنسب خاصة إذا ما تقاربت نتائج التقييم بين المرشّحين، او كان هنالك تفاوت في المعطيات على معايير وقيم مختلفة وهامّة بذات الدرجة. لذا كلّ الخطوات التالية هدفها تزويدنا بالمعطيات اللازمة لاتّخاذ القرارات في كل مرحلة. فهنا نقوم:

  1. بالتعرف بعمق على المرشّحين: من خلال طرح الأسئلة، التواصل مع مديرين وزملاء عمل سابقين للمرشّحين، التعرف على صفحة لينكداين إذا توفّر وكلّ مرجع مهني.
  2. بجمع وتوثيق معطيات التقييم: حول المرشّحين سواء بشكل كمّي او كيفي وبناء قاعدة بيانات خاصّة في العمليّة.
  3. باتخاذ قرارات مرحليّة: بشأن المرشّحين الأكثر ملائمة للانتقال للمرحلة التالية وانهاء الرحلة امام المرشّحين الأقل توافقًا. 
  4. بإرسال الردود إلى المرشحين: عبر البريد الإلكتروني أو إجراء مكالمات هاتفيّة، وذلك وفق تقدّمهم في رحلة التوظيف. كلّما كانوا أكثر تقدّمًا في المراحل النهائيّة وتحديدًا اذا كان الرد بعدم التقدّم معهم، اوصي بالتواصل الهاتفي معهم للحفاظ على تجربة المرشّح في العمليّة.

المرحلة الخامسة – اتخاذ القرارات

اتخاذ القرارات هو محور موازٍ طوال العملية، وخاصة في المراحل الأخيرة. يُنصح بإجراء عمليّات اتّخاذ القرارات في جلسة كاملة بحضور فريق التصنيف والمدير المسؤول عن التوظيف ومع عرض ومراجعة مجموع التقييمات التي تم جمعها خلال السيرورة من كافّة الادوات. 

هنا يتم عرض معطيات التقييم مقابل الاعتبارات والمعايير التي تم تحديدها في المرحلة الاولى. في هذه المرحلة قد نحظى في بعض الأحيان باختيار واضح وحاسم اتجاه أحد المرشّحين الأكثر توافقًا دون أدنى شك مع الوظيفة والمؤسّسة والطاقم، ونتقدّم معه في القبول. وفي أحيان كثيرة سنحتار في اختيار المرشّح الأنسب من بين عدّة مرشّحين قد تألّقوا بذات الدرجة او بدرجات متقاربة في عمليّة التصنيف، لذا اوصي باتباع الخطوات التالية لاتخاذ القرار وإدارة هذا التحدّي:

  1. عقد اجتماع نهائي لطاقم التصنيف يشمل المدير المسؤول عن التوظيف بعد كل مرحلة تصنيف لاتخاذ القرارات.
  2. مشاركة الاعتبارات والمعايير لقبول المرشح الأنسب.
  3. استخدام أدوات إدارة وعرض بيانات التقييم لدعم اتخاذ القرارات امام الجميع.
  4. تسليط الضوء على التساؤلات المتعلقة بمعطيات التقييم ومشاركة نقاط الحيرة بين المرشّحين وفق المعايير المطلوبة.
  5. إدارة النقاش واتخاذ القرار النهائي.

ثلاثة مبادئ اساسيّة في إدارة عمليّات التوظيف في المؤسسات

  1. التوثيق: اوصي بتوثيق العمليّة بكافة جوانبها، بتخصيص مجلّد خاص بالسيرورة في قاعدة بيانات المؤسّسة وتجميع جميع المواد المطلوبة للعمليّة مع الحفاظ على خصوصيّة وسرّيّة المرشّحين.
  2. تجربة المرشح: السعي للحفاظ على تجربة المرشّحين على مدار عمليّة التصنيف، الحفاظ على التواصل معهم بعد كل مرحلة ومرحلة ومشاركتهم بالقرار وملائمة التوقعات معهم منذ البداية حول مدّة وأدوات التصنيف.
  3. الانصاف: السعي لتحقيق عمليّة تصنيف عادلة لكلّ مرشّح تمكّنه من التعبير عن ذاته على أكمل وجه من خلال تجهيز الاعدادات والظروف التي تتيح التواصل الفعّال، التعبير عن الذات، احترام الآخر وإظهار الفضول. 

في النهاية، هذا النموذج هو بمثابة الحالة المثاليّة التي نطمح ان تتم وفقها عمليّات التوظيف. امّا في الواقع، فيضعنا الحقل امام تحدّيات توفّر الموارد والوقت لتطبيق ذلك. لذا، نوصي باعتماد النموذج كمرجعيّة والعمل قدر المستطاع وفق توفّر الامكانيّات، مع المحافظة على مبادئ التقييم الخاصّة بكلّ مؤسّسة. 

كلّ التوفيق!

هل لديكم استفسارات وتساؤلات تتعلّق برحلة التوظيف؟ تواصلوا معنا

משפיעות על העולם? מקדמים שינוי חברתי?

פנו אלינו ליעוץ

עוד פוסטים בנושא لمزيد من المنشورات

انضمّوا لقائمة المشتركين في المدوّنة

ليصلكم منّا كلّ منشور جديد

    التعليقات

    شارك تعليقك هنا